الخميس، 17 أكتوبر 2019

منحنيات الثورةالسودانية


عاش السودان في الفترة الماضية سلسلة من الازمات التي ضربت قلب الاقتصاد السوداني ، فتداعت علي اثرها انهيارالمنظومة الاقتصادية ، بتها وي العملة السوادانية امام الدولار الامريكي وزيادة سعر الصرف ، وانعدام السيولة في البنوك والاسواق ؛ بات الحصول علي الخدمات الاساسية بشق الانفس  وساهم هذا الوضع بخلق حالة من التوتر ، والاحتقان في الشارع السوداني مما ادي الي اندفاع الجماهير الثورية الي تنظيم حركة احتجاجات واسعة بمعظم المدن السودانية مطالبين بتحسين الوضع المعيشي ، واصلاح الاقتصاد ، ومحاربة الفساد ، ومحاسبة المفسدين.
تعاملت اجهزة الامن السودانية بقوة مفرطة حيث استخدمت الرصاص الحي في مواجهة الشباب العزل ، ووقع الكثير من القتلي في كافة المدن والولايات السودانية عندها رفع الثوار سقف مطالبهم حتي اصبح المطلب الرئيس رحيل النظام . بعد سقوط النظام في ابريل الماضي طالب جموع المعتصمين في ساحة القيادة العامة تسليم السلطة الي حكومة مدنية . فخط الثورة حسب المطالب الشرعية التي نادي بها جماهير الشعب السوداني مستقيم بدءا من تحسين الوضع المعيشي ، والاصلاح الاقتصادي ، محاسبة المفسدين والقتلة ،  سقوط النظام ، تسليم السلطة الي حكومة مدنية ، الا ان الخط الثوري قد انحرف عن خطه المستقيم ، وظهرت انحناءات علي طول الخط بعد تشكيل الحكومة الانتقالية ، وبدأ الحديث عن قضايا لا تمس هموم المواطن المغلوب علي امره ، ولايمثل مطالب الثورة من قريب او بعيد. ذلك الحديث عن الشريعة وضرورة ابعادها عن قضايا السياسة والحكم بل عن الحياة العامة ، مما قد شكل ردة واضحة عن المطالب الثورية ، وانحراف عن جوهر القضية 360 درجة . في هذا السياق تناولت بعض وسائل الاعلام عن بعض منتسبي الحكومة الانتقالية آراء متطرفة تجاه الشريعة الاسلامية كالحديث سلبا عن المذاهب الاربعة ، والكلام عن الخمر كجزء ثقافي للشخصية السودانية ون الشريعة لا  تناسب المجتمع السوداني المتعدد الاديان ، والمذاهب ، والثقافات .
بني اصحاب هذا الاتجاه ذا  الخلفية اليسارية علي فرضيتين
الاولي : ان الثورة السودانية في سياقها جاءت نقيضا لثورات الربيع العربي التي انتزعت الانظمة العلمانية في المنطقة بقيادة الاسلاميين ، بينما الثورة السودانية اقتلعت نظام الاسلاميين المتمثل في حزب المؤتمر الوطني ، وبالتالي ان توجه الثورة السودانية جاء مغايرا للطرح الاسلامي .
الفرضية الثانية : فشل تجربة الانقاذ ، وسوء استغلال السلطة طيلة فترة الثلاثة عقود الماضية دليل فشل مشروع الاسلام السياسي لذلك لابد من بديل خارج منظومة المشروع الاسلامي. لابد من الاشارة الي ان الفرضيتين اعلاه قد جانبتا حقيقة الواقع السوداني ، واغفلتا المجتمع المتدين بطبعه ، وان فشل الانقاذ في اقامة شرع الله ، وارساء دعائم حكم رشيد ، لا يعني فشل الاسلام وفساد شرائعه ،  بل يحاسب نظام الانقاذ الفاسد علي جرائمه واما ارتكبه من اجرام بحق الشعب السوداني  البطل ، دون ان ينسحب ذلك الفساد والفشل في تطبيق الشريعة الي تعاليم الاسلام والابرياء من ابناء الامة . تنتظر الحكومة الانتقالية الكثير من التحديات والملفات العالقة التي لم تحسم بعد مثل : القصاص للشهداء ، وملف المفقودين ، وتحقيق العدالة وكذلك تحسين الوضع المعيشي ، ومحاربة غلاء الاسعار . لم تتخذ الحكومة اجراءات جادة بخصوص هذه القضايا حتي علي مستوي سن التشريعات وابداء الاهتمام في مواجهة الوضع المتأزم ، الشعب السوداني الان يعيش ذات الوضع ، والظرف الذي مهد لقيام الثورة ضد نظام الانقاذ ، الان بات الحصول علي قطعة الخبز امرا صعبا حيث عادت الصفوف مرة اخري بين الفينة والاخري ، وازمة المحروقات لاتزال تراوح محلها ، ومن خلال المتابعات الدقيقة ربما هناك رفع للدعم عن بعض السلع خاصة المحروقات ، لابد من تدارك الوضع حكومة وشعبا وانقاذ ما تبقي من الوطن ، والحفاظ علي النسيج الاجتماعي السوداني بادارة التنوع بعدالة حقيقية تراعي كافة الاطراف والمكونات . ان الشعب السوداني في ثورته لم تخرج من اجل اسقاط الشريعة ، ولم تطالب ابدا بنظام علماني صارخ يبعد الدين من الدولة والحياة كافة ، بل كان الشعار الابرز اثناء الثورة تسقط بس . ان المطالبة بتنحية الشريعة واستعداء الجماعات الدعوية من اجل  التجربة الفاشلة للمؤتمر الوطني باستخدام الدين مطية لاغراضه وطموحاته يدل علي التوجه الفكري الاقصائي لبعض منسوبي الحكومة الانتقالية ، وفي الختام اقصاء الشريعة من الوثيقة الدستورية وعدم التنصيص علي هوية الدولة يعتبر تراجع عن خط الثورة ، وخيانة لمن ضحوا بارواحهم ، وفقدوا لحظة فض الاعتصام وخلاصة القول ، الثورة من اجل اصلاح الوضع المعيشي وليس لاقصاء الشريعة.