مصطلح الامن القومي
كغيره من المفاهيم التي اخذت حظها من التنظير واتفكير، علي مدي عقود من الزمان ،
حتي اصبح يشغل اهتمام كثير من الباحثين ، والاكاديميين في مجال الدراسات
الاستراتيجية ، والقادة العسكريين .
ظهور هذا المصطلح
قديم يعودالي بداية الحياة الانسانية وتطور مع تطور المجتمعات البشرية ، عند بداية
ذهور المصطلح اتجهت كل الانظار الي المعني الضيق للامن الذي يختزل مفهوم الامن
القومي في اطار المفهوم العسكري ، وادارة الصراعات المسلحة بين الدول ، والاحوال
الامنية الداخلية . كان الصحفي الامريكي ولتر ليبرمان من اوائل من استخدم تعبير
الامن القومي وعرفه (بالقوة العسكرية والتي تضمن للدولة عدم التضحية بمقدراتها
لتجنب ويلات الحروب ، وقدرتها علي حماية نفسها )[1]يري
الباحث ان هذا التعريف فيه الكثير من التقصير ، حيث يختزل تعريف الامن القومي في
المفهوم العسكري ، مما يفقد التعريف حيويته ، ويهمل جوانب مهمة تدخل في صميم الامن
القومي ، مع تطور احداث البيئة الدولية ، وتنوع مصادر الصراع الدولي ، اصبح من
الضروري استيعاب المعطيات الأمنية الجديدة ، وأسلوب إدارة الصراع بكافة أشكاله علي
المستوي المحلي ، والإقليمي والدولي لضمان صياغة جديدة تتلاءم مع الظروف الأمنية ، وتستوعب جميع مكونات وأدوات الصراع .
انطلاقا من هذه
الفكرة أصبح لمصطلح الأمن القومي نظريات متعددة ، وتعريفات مختلفة لاختلاف البيئات
الفكرية من هذه التعريفات : ( الامن القومي هو الاجراءات التي تتخذها الدولة في
حدود طاقتها للحفاظ علي كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات
الدولية ) بينما ذهبت اكاديمية ناصر الي أن الامن القومي هو ( الاجراءات التي
تلتزم بها الدولة أو مجموعة الدول لضمان أمنها ، واستقلالها ، وسيادتها في المجتمع
الدولي بما يتواءم ، والتزاماتها الدولية سياسيا ، وجغرافيا ، وتاريخيا ؛ لتحقيق
التنمية الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، وتدعم القوة العسكرية لشعوبها
لتصل الي المكانة المرموقة في المجتمع الدولي بناء علي تخطيط علمي مدروس تحقق
الاهداف والغايات المرجوة )[2]
يستخلص الباحث من التعريفين اعلاه الاتي :
1 /التطور الكبير في
مفهوم الامن القومي ، حيث شملت قضايا عدة غير القضية العسكرية ، كالسياسة ،
والاقتصاد ، والاجتماع .
2/ مفهوم الامن
القومي كغيره من مفاهيم العلوم الاجتماعية بالرغم من الدراسات العميقة ،
والمحاولات الجادة لم يحصل الاتفاق علي معني دقيق ومشترك بين المهتمين والباحثين .
استفادات الدول الكبري من هذا الموقف لتستخدم اغراضها ، واطماعها التوسعية عبر
التدخلات الدولية .
3 / اهمية الامن
القومي في صياغة وبلورة موقف الدولة في سياستها الخارجية وتنظيم علاقات متينة مع
الدول ، ووضع سياساتها العامة .
بدون رؤية واضحة
للدولة في تصورها للامن القومي ، فان الفوضي يسود كل مناحي الحياة ( ويعم الفوضي
والاضطراب ، وتتقوض دعائم الدولة في نهاية المطاف ، هذا ما ينعكس سلبا علي الدولة وتصبح
المعركة داخل مجتمعها لترتفع مظاهر اخري اكثر سلبية تحت مظلة الانفلات الامني ،
كزيادة نسبة الجريمة المنظمة ، وتبييض الاموال ، والانحراف الاخلاقي ، والاجتماعي
، والفساد السياسي )[3].
4 / ضرورة دراسة
تحديات الامن القومي للدولة علي المستوي الداخلي والخارجي وتحديد تهديدات الامن
القومي ، واستيعاب عناصر القوي الشاملة للدولة .
يري الباحث ان ما سبق
من تعريفات للامن القومي يتأسس عليهاتحديد منطلقات وابعاد الامن القومي التي تتميز
بالشمولية ، والترابط ، والتكامل من هذه الابعاد :
اولا/ البعد السياسي
ويتمثل في الحفاظ علي
الدولة ، والنظام السياسي للدولة داخليا وخارجيا من القضايا الداخلية التي تتعلق
بالامن القومي سياسيا( السلام الاجتماعي الوحدة
الوطنية ، تماسك الجبهة الداخلية ) اما خارجيا ( الدفاع عن حدود الدولة ، والسيادة
الوطنية ، بناء قوة الردع الاستراتيجية) .
ثانيا/ البعد
الاقتصادي
القدرة الاقتصادية من
عوامل قوة الدولة لذلك يجب علي المنظومة الامنية الاهتمام بكافة موارد الدولة
لتحقيق اهدافها السياسية .
ثالثا/ البعد
الاجتماعي
من قضايا الامن
القومي في المجال الاجتماعي ، تحقيق الترابط والتماسك بين مكونات الدولة ، تحقيق
العدالة الاجتماعية ، محاربة الفقر ، مشاكل البطالة.
رابعا/ البعد العسكري
يتمثل في بناء قوة
عسكرية قادرة علي تلبية احتياجات التوازن الاستراتيجي في المحيط الاقليمي والقوة
العسكرية هي الاداة الرئيسية في تأييد السياسة الخارجة للدول ، وتشكيل دورها
القيادي علي المستوي الاقليمي .
خامسا/ البعد الثقافي
يناقش هذا المحور
الحفاظ علي فكر ومعتقدات الدولة ، والاعراف والتقاليد السائدة ، ويجعل من الثقافة
مصدرا للقوة الوطنية لمجابهة التحديات الداخلية والخارجية .
وفي الختام الامن
القومي مفهوم واسع ، يشمل كافة القضايا التي تتعلق بالدولة ولا ينحصر في المفهوم العسكري
الضيق ؛ بل يتعدي الي الي مواضيع اكثر شمولا ، والتصاقا باحتياجات الدولة الملحة ،
بالمحافظة عليها وتنميتها في السياسة ، والاقتصاد ، والثقافة ، والاجتماع ولابد من
الاشارة الي ضرورة تحديد تهديدات الامن القومي في السياسة والاقتصاد ...الخ بغرض
معالجتها ، وجعلها منطلقا لقدرة الدولة الشاملة.
[1] د.عادل حسن محمد ،تحديات
الامن القومي بعد الحرب الباردة ، الخرطوم شركة مطابع العملة،2013، ص10
[2] أ.د عام المصباح ، معجم
العلاقات السياسية والدولية ، القاهرة دار الكتب الحديثة ، 2009، ص26ــ27
[3] د. مليود عامر حاج ، الامن
القومي العربي وتحدياته المستقبلية ، دار جامعة نايف للنشر ، الرياض ، 2016 ،ص24