السبت، 2 فبراير 2019

الامن القومي المفهوم والابعاد


مصطلح الامن القومي كغيره من المفاهيم التي اخذت حظها من التنظير واتفكير، علي مدي عقود من الزمان ، حتي اصبح يشغل اهتمام كثير من الباحثين ، والاكاديميين في مجال الدراسات الاستراتيجية ، والقادة العسكريين .
ظهور هذا المصطلح قديم يعودالي بداية الحياة الانسانية وتطور مع تطور المجتمعات البشرية ، عند بداية ذهور المصطلح اتجهت كل الانظار الي المعني الضيق للامن الذي يختزل مفهوم الامن القومي في اطار المفهوم العسكري ، وادارة الصراعات المسلحة بين الدول ، والاحوال الامنية الداخلية . كان الصحفي الامريكي ولتر ليبرمان من اوائل من استخدم تعبير الامن القومي وعرفه (بالقوة العسكرية والتي تضمن للدولة عدم التضحية بمقدراتها لتجنب ويلات الحروب ، وقدرتها علي حماية نفسها )[1]يري الباحث ان هذا التعريف فيه الكثير من التقصير ، حيث يختزل تعريف الامن القومي في المفهوم العسكري ، مما يفقد التعريف حيويته ، ويهمل جوانب مهمة تدخل في صميم الامن القومي ، مع تطور احداث البيئة الدولية ، وتنوع مصادر الصراع الدولي ، اصبح من الضروري استيعاب المعطيات الأمنية الجديدة ، وأسلوب إدارة الصراع بكافة أشكاله علي المستوي المحلي ، والإقليمي والدولي لضمان صياغة جديدة تتلاءم مع الظروف الأمنية  ، وتستوعب جميع مكونات وأدوات الصراع .
انطلاقا من هذه الفكرة أصبح لمصطلح الأمن القومي نظريات متعددة ، وتعريفات مختلفة لاختلاف البيئات الفكرية من هذه التعريفات : ( الامن القومي هو الاجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ علي كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية ) بينما ذهبت اكاديمية ناصر الي أن الامن القومي هو ( الاجراءات التي تلتزم بها الدولة أو مجموعة الدول لضمان أمنها ، واستقلالها ، وسيادتها في المجتمع الدولي بما يتواءم ، والتزاماتها الدولية سياسيا ، وجغرافيا ، وتاريخيا ؛ لتحقيق التنمية الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، وتدعم القوة العسكرية لشعوبها لتصل الي المكانة المرموقة في المجتمع الدولي بناء علي تخطيط علمي مدروس تحقق الاهداف والغايات المرجوة )[2] يستخلص الباحث من التعريفين اعلاه الاتي :
1 /التطور الكبير في مفهوم الامن القومي ، حيث شملت قضايا عدة غير القضية العسكرية ، كالسياسة ، والاقتصاد ، والاجتماع .
2/ مفهوم الامن القومي كغيره من مفاهيم العلوم الاجتماعية بالرغم من الدراسات العميقة ، والمحاولات الجادة لم يحصل الاتفاق علي معني دقيق ومشترك بين المهتمين والباحثين . استفادات الدول الكبري من هذا الموقف لتستخدم اغراضها ، واطماعها التوسعية عبر التدخلات الدولية .
3 / اهمية الامن القومي في صياغة وبلورة موقف الدولة في سياستها الخارجية وتنظيم علاقات متينة مع الدول ، ووضع سياساتها العامة .
بدون رؤية واضحة للدولة في تصورها للامن القومي ، فان الفوضي يسود كل مناحي الحياة ( ويعم الفوضي والاضطراب ، وتتقوض دعائم الدولة في نهاية المطاف ، هذا ما ينعكس سلبا علي الدولة وتصبح المعركة داخل مجتمعها لترتفع مظاهر اخري اكثر سلبية تحت مظلة الانفلات الامني ، كزيادة نسبة الجريمة المنظمة ، وتبييض الاموال ، والانحراف الاخلاقي ، والاجتماعي ، والفساد السياسي )[3].
4 / ضرورة دراسة تحديات الامن القومي للدولة علي المستوي الداخلي والخارجي وتحديد تهديدات الامن القومي ، واستيعاب عناصر القوي الشاملة للدولة .
يري الباحث ان ما سبق من تعريفات للامن القومي يتأسس عليهاتحديد منطلقات وابعاد الامن القومي التي تتميز بالشمولية ، والترابط ، والتكامل من هذه الابعاد :
اولا/ البعد السياسي
ويتمثل في الحفاظ علي الدولة ، والنظام السياسي للدولة داخليا وخارجيا من القضايا الداخلية التي تتعلق بالامن القومي سياسيا( السلام الاجتماعي  الوحدة الوطنية ، تماسك الجبهة الداخلية ) اما خارجيا ( الدفاع عن حدود الدولة ، والسيادة الوطنية ، بناء قوة الردع الاستراتيجية) .
ثانيا/ البعد الاقتصادي
القدرة الاقتصادية من عوامل قوة الدولة لذلك يجب علي المنظومة الامنية الاهتمام بكافة موارد الدولة لتحقيق اهدافها السياسية .
ثالثا/ البعد الاجتماعي
من قضايا الامن القومي في المجال الاجتماعي ، تحقيق الترابط والتماسك بين مكونات الدولة ، تحقيق العدالة الاجتماعية ، محاربة الفقر ، مشاكل البطالة.
رابعا/ البعد العسكري
يتمثل في بناء قوة عسكرية قادرة علي تلبية احتياجات التوازن الاستراتيجي في المحيط الاقليمي والقوة العسكرية هي الاداة الرئيسية في تأييد السياسة الخارجة للدول ، وتشكيل دورها القيادي علي المستوي الاقليمي .
خامسا/ البعد الثقافي
يناقش هذا المحور الحفاظ علي فكر ومعتقدات الدولة ، والاعراف والتقاليد السائدة ، ويجعل من الثقافة مصدرا للقوة الوطنية لمجابهة التحديات الداخلية والخارجية .
وفي الختام الامن القومي مفهوم واسع ، يشمل كافة القضايا التي تتعلق بالدولة ولا ينحصر في المفهوم العسكري الضيق ؛ بل يتعدي الي الي مواضيع اكثر شمولا ، والتصاقا باحتياجات الدولة الملحة ، بالمحافظة عليها وتنميتها في السياسة ، والاقتصاد ، والثقافة ، والاجتماع ولابد من الاشارة الي ضرورة تحديد تهديدات الامن القومي في السياسة والاقتصاد ...الخ بغرض معالجتها ، وجعلها منطلقا لقدرة الدولة الشاملة.


[1] د.عادل حسن محمد ،تحديات الامن القومي بعد الحرب الباردة ، الخرطوم شركة مطابع العملة،2013، ص10
[2] أ.د عام المصباح ، معجم العلاقات السياسية والدولية ، القاهرة دار الكتب الحديثة ، 2009، ص26ــ27
[3] د. مليود عامر حاج ، الامن القومي العربي وتحدياته المستقبلية ، دار جامعة نايف للنشر ، الرياض ، 2016 ،ص24

هناك تعليق واحد: